في القدس، كتب آرون بوكسِرمان أن مقتل ياسر أبو شَباب، زعيم ميليشيا في غزة دعمتها إسرائيل، أبرز ما ظلّ محل تحذير طويل من محللين: الفلسطينيون الذين اختارتهم إسرائيل لمحاولة إضعاف «حماس» غالبًا ما ينتهون بنهاية عنيفة. قاد أبو شَباب «القوات الشعبية»، وهي أقوى عدة ميليشيات تعاونت معها إسرائيل في مواجهة «حماس»، وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم ساعدوا حتى في تسليح هذه الجماعة، رغم نفيه ذلك في أكثر من مناسبة.

 

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن كثيرًا من الفلسطينيين وصفوا أبو شَباب بالخائن، بينما شكّك بعض الإسرائيليين في نواياه وقدرته. لكنه، في مقابلة نادرة أُجريت أواخر أكتوبر مع الصحيفة، عبّر عن عدم شعوره بالخجل من علاقته بإسرائيل، موضحًا وجود تنسيق على المستوى الأمني والعملياتي مع القوات الإسرائيلية بهدف منع تسلل أي عنصر تصفه إسرائيل بـ«الإرهابي»، في إشارة إلى مقاتلي «حماس».

 

تصاعد التوتر ونهاية مفاجئة

 

قُتل أبو شَباب خلال اشتباكات شارك فيها أحد العشائر الفلسطينية في جنوب غزة، وفق ما نشرته مجموعته على وسائل التواصل الاجتماعي. لم يظهر أن «حماس» شاركت بشكل مباشر في قتله، إلا أن وزارة الداخلية التابعة لها في غزة سارعت إلى الترحيب بوفاته، ووصفتها بأنها «المصير الحتمي لكل خائن»، داعية باقي المسلحين المرتبطين بإسرائيل إلى تسليم أنفسهم قبل فوات الأوان.

 

بقي مستقبل «القوات الشعبية» غامضًا بعد مقتل زعيمها. عرضت الجماعة تسجيلًا مصورًا ظهر فيه نائبه، غسان دُهينَه، وهو يتسلم القيادة، بينما تحيط به مجموعة من المسلحين الذين رددوا هتافات تُظهر تمسكهم بالمضي قدمًا. ومع ذلك، ظل السؤال مطروحًا حول قدرة الميليشيا على البقاء في ظل غياب الشخصية المحورية التي كانت تقودها.

 

منذ الأيام الأولى للحرب، بحثت إسرائيل عن حلفاء من داخل غزة يساعدونها على تقويض سيطرة «حماس». دعمت، لهذا الغرض، عدة مجموعات مسلحة صغيرة، زعم قادتها في مقابلات أنهم تلقوا دعمًا غير مباشر وسُمح لهم بالعمل في مناطق خاضعة لرقابة إسرائيلية. وبعد اتفاق وقف إطلاق النار في منتصف أكتوبر، انقسمت السيطرة على قطاع غزة بين الطرفين، مع بقاء معظم السكان في المناطق الساحلية الواقعة تحت نفوذ «حماس»، بينما عملت الميليشيات المناهضة لها في الأجزاء الخاضعة للوجود العسكري الإسرائيلي.

 

ميليشيات محدودة التأثير وصورة مشوهة

 

رأت تحليلات عدة «القوات الشعبية» أكبر وأكثر تنظيمًا من غيرها، وذكر أبو شَباب أن منطقته احتضنت نحو ثلاثة آلاف شخص، أقل من نصفهم مقاتلون. في المقابل، أشار قادة مجموعات أخرى في شمال غزة وشرق خان يونس إلى أنهم يسيطرون على مناطق يقطنها بضع مئات فقط. ورغم قلة العدد مقارنة بـ«حماس»، قالت «القوات الشعبية» إنها اشتبكت مع مقاتلي الحركة واحتجزت أحدهم.

 

أكد شلومو بن حنان، المسؤول السابق في جهاز «الشاباك»، أن هذه المجموعات أدت دورًا أمنيًا يشبه دور الوحدات العسكرية النظامية، وساعدت في تأمين بعض المناطق، ما أتاح للقوات الإسرائيلية التفرغ لمهام أخرى. لكنه شدد في الوقت نفسه على أن ارتباط هذه المجموعات بإسرائيل شوّه صورتها لدى معظم الفلسطينيين وجعلها، في نظرهم، أدوات تعاون لا يمكن الوثوق بها.

 

انبثقت شهرة أبو شَباب من أحداث وقعت أواخر عام 2024، عندما وُجّهت إليه اتهامات بمهاجمة قوافل مساعدات خلال أزمة جوع خانقة. اعترف بوقوع بعض عمليات النهب، لكنه قال إنه استولى على الإمدادات لإطعام أسرته وجيرانه. وصفه مسؤول أممي سابق في غزة بـ«وسيط القوة المعلن ذاتيًا في شرق رفح»، بينما اتهم عاملون في الإغاثة إسرائيل بتجاهل اعتداءاته المتكررة على شاحنات المساعدات.

 

أثار ذلك غضب «حماس»، التي دخلت في مواجهات دامية مع عناصره، ما أدى إلى مقتل عدد كبير منهم، بينهم شقيقه. ورغم ذلك، واصل أبو شَباب تقديم نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي كقائد فلسطيني بديل، وسمّى مجموعته «قوة لمكافحة الإرهاب»، ونشر مقاطع تُظهر نصب خيام ومدارس مؤقتة في المناطق التي سيطر عليها.

 

رأى كثير من سكان غزة أن هذه المجموعات لم تكن سوى عصابات استغلت فوضى الحرب لبناء نفوذها. قال منتصر بهجت، مدرس لغة إنجليزية في مدينة غزة، إن الفلسطينيين بحاجة إلى قيادة جديدة ومستعدون للتعامل مع إسرائيل إذا لزم الأمر من أجل مستقبل أفضل، لكن أشخاصًا مثل أبو شَباب لا يمكن أن يمثلوا الشعب.

 

وقبل وفاته، عبّر أبو شَباب عن أمله في المشاركة بتشكيل مستقبل غزة من دون «حماس»، لكنه لم يوضح رؤيته إلى ما هو أبعد من ذلك. رفض وصفه بالخائن، رغم اعترافه بأن كثيرين يرون في سلوكه عملًا مشينًا، وذهب إلى حد القول إن الآخرين لو امتلكوا الإرادة والشجاعة «لكانوا مثله».

 

https://www.nytimes.com/2025/12/06/world/middleeast/yasser-abu-shabab-israel-backed-gaza-militias.html